في زمن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه اشتكى الناس غلاء السلع، وخاصةً اللحم، فعندما سألوه، قال لهم: أرخصوه أنتم.. فتعجبوا وقالوا: كيف ونحن لا نملكه؟! فأجابهم: اتركوه لمن يملكه!!.. وفي زمن آخر زاد سعر الزبيب واشتكى الناس أيضًا، فقال لهم الحاكم: أبدلوه بالتمر؛ لوفرته، ورُخص ثمنه، وقيمته الغذائية العالية.
إذن كانت هذه بعض الأسلحة التي استخدمها الناس لمواجهة الغلاء؛ كالمقاطعة، ومحاولة إيجاد البدائل الأرخص، وفي زماننا هذا نشتكي من غلاء الأسعار؛ الذي طال كل السلع والخدمات؛ فهل من الممكن أن نقاطع السلع الغالية مهما كانت ضرورية؟! وهل من الممكن أن نتقن ثقافة إيجاد البدائل لها؟!
في البداية لا بد أن نعلم أن ما مسَّنا في بلادنا من غلاء الأسعار إنما هو بسبب ذنوبنا ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)﴾ (الشورى)
ونحن في نعمة إذا نظرنا إلى غيرنا ممن ابتُلِي في أمنِهِ بكوارث طبيعية أو سياسية، وأزمة الغلاء والفقر تواجه العالم كله، وأصابت مجتمعاتنا بشكل واضح، وقد تؤدي- إذا استفحلت- إلى كوارث ونتائج سيئة، وتُنهِك ذوي الدخل المنخفض والفقراء، وتؤدي إلى الركود الاقتصادي وعزوف الأفراد عن الشراء.
وقد غلت الأسعار في تاريخ الأمة أواخر عهد بني العباس، وعظُم البلاء ببغداد حتى أكلوا الجِيَف، وضرب الغلاء بعض البلاد كمصر، وحصل هلاك كبير، وقد وضعت الشريعة الأحكام التي تقي من هذه الأزمة؛ ففي أوقات الرخاء حثَّ الإسلام على الاقتصاد في المعيشة والتوسط في النفقة، وهذا من شأنه أن يقلِّل الطلب فينخفض السعر، ويقل الطلب على السلع الباهظة الثمن، وشراء المنتجات البديلة معتدلة السعر، وإذا كان هذا في حالة الرخاء فما بالنا في حالة الغلاء؟!
وفي الحث على الاقتصاد والتوسط في النفقة يقول الله تعالى: ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29)﴾ (الإسراء)، فلا بد من التوازن والاعتدال وعدم التوسع في شراء ما نحتاجه وما لا نحتاجه، وقد أكدت الدراسات أن نسبة الإنفاق على شراء السلع الغذائية في الدول العربية أكبر نسبة في إنفاق الأسرة، وتعد أولى اهتماماتها، أما في اليابان مثلاً فيأتي الإنفاق على التعليم أولاً!.
ولا شك أن ما يصيب الناس من فقر وقلة مؤونة وغلاء فاحش؛ بسبب انتشار الذنوب والمعاصي والفتن والفساد والفجور والمحرمات والربا وشرب الخمر وغيرها ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)﴾ (الأعراف).